الشلل الدماغي

آخر تحديث في
لا يوجد تعلقيات
تدقيق علمي: د. منار الشوابكة
أخصائية أطفال وحديثي ولادة
كتابة: صفاء إبراهيم
تدقيق لغوي: أماني حماده
تنسيق: د. عبد العزيز البياري

التعريف

الشلل الدماغي يحدث نتيجة خلل في تكون الدماغ أثناء النمو –وهو الشكل الأكثر شيوعًا- أو نتيجةً لتلف بعض أجزاء الدماغ خلال المراحل المبكرة من الطفولة، ينتج عن هذا التلف مجموعة من الاضطرابات التي تؤثر على حركة وقوة العضلات، والتي بدورها تؤثر في توازن الجسم وحركته.

حقائق عن المرض

  • الشلل الدماغي لا يؤدي إلى الوفاة بشكل مباشر، وهو حالة تختلف بشكلٍ كُلي عن السكتة الدماغية.
  • هناك العديد من المشاهير المتعايشين مع هذا المرض.
  • على الرغم من أن الشلل الدماغي هو أحد أشهر أسباب الاضطرابات الحركية لدى المواليد، إلا انه يصيب 2-3 من أصل 1000 مولود.
  • الأعراض وشدة المرض تختلف من شخص لآخر، ولكن المرض نفسه لا يزداد سوءاً وإنما قد تتغير الأعراض خلال المراحل العمرية المختلفة للشخص الواحد نتيجة للإهمال ونقص الرعاية.
  • حسب إحصائيات عام 2008، أكثر من نصف المصابين بالشلل الدماغي يستطيعون الاعتماد على أنفسهم في المشي والحركة -بالطبع ليس بشكلٍ مثالي-.
  • يتم استخدام الأجهزة الخاصة في الحالات الشديدة، وفي بعض الحالات إذا لم يحصل المريض على التأهيل المناسب قد لا يتمكن من الحركة على الإطلاق ويحتاج إلى رعاية مدى الحياة.
  • تتراوح نسبة الحالات المصابة بالتأخر العقلي المصاحب للشلل الدماغي بين 30%-50%، ولكن يمكن تحسين هذه النسبة من خلال برامج التأهيل المختلفة وذلك لتطوير مهاراتهم اجتماعيًا ودراسيًا.

الأسباب

كان الاعتقاد السائد أن المشاكل التي تحدث أثناء عملية الولادة هي السبب الرئيسي للشلل الدماغي وخاصةً إذا أدى ذلك إلى حرمان الطفل من الأكسجين لفترة طويلة -نسبياً-، ولكن اتضح أن هذه الأسباب تنطبق على نسبة ضئيلة فقط من الحالات; حيث تؤكد الدراسات الحديثة أن الأسباب الحقيقية لهذا المرض غير معروفة بعد.

يمكن تصنيف الشلل الدماغي وفقًا لتوقيت الإصابة إلى قسمين:

الشلل الدماغي الخلقي “Congenital CP”

يحدث الخلل في مرحلة نمو الدماغ خلال فترة الحمل أو أثناء الولادة، وهو الشكل الأكثر شيوعًا; حيث يمثل (85%-90%) من الحالات.

أسبابه

  1. الطفرات الجينية.
  2. عدوى من الأم.
  3. نزيف في الدماغ.
  4. سكتة دماغية جنينية، بسبب نقص في إمداد الدم إلى الدماغ.
  5. نقص الأكسجين في الدماغ بسبب صعوبة عملية الولادة.

الشلل الدماغي المكتسب “Acquired CP”

يحدث الخلل خلال شهر من الولادة، أو أثناء السنوات الأولى للطفل.

أسبابه

  1. إصابة الدماغ، نتيجة سقوط أو حادث، حيث تكون عظام الجمجمة ضعيفة وغير مكتملة.
  2. التهاب السحايا البكتيرية أو الفيروسية.

عوامل الخطر

  1. إصابة الأم أثناء فترة الحمل ببعض الأمراض مثل: الفيروس المضخم للخلايا "CMV"، الهربس، الزُهري، الحصبة الألمانية.
  2. إصابة الأم الحامل ببعض أمراض الغدة الدرقية، الصرع، الإعاقات الذهنية، أو التعرض لمواد سامة مثل: ميثيل الزئبق.
  3. إذا كان وزن الطفل أقل من 2500 جرام عند الولادة، ويزداد خطر الإصابة إذا قل عن 1500 جرام.
  4. الولادة المبكرة خاصة قبل الأسبوع ال 32. بالرغم أن الرعاية الصحية للمواليد تشهد تحسنًا كبيرًا، إلا أن عامل الخطر مازال موجوداً.
  5. وضع الطفل أثناء الولادة، حيث أن خروج الطفل بالمقعدة أولاً يزيد من احتمال الإصابة بسبب نقص الأكسجين.
  6. زيادة عدد الأجنة، وإذا توفي جنين او أكثر فقد يعني ذلك زيادة احتمالية إصابة الأجنة الناجية بالشلل الدماغي.
  7. إصابة الطفل باليرقان/ الصفار الشديد لفترات طويلة دون الخضوع للعلاج، والذي قد يتحول إلى اليرقان النووي، وهو تسرُّب مادة الصفار – البيلوروبين- إلى الدماغ. وأيضاً تزيد احتمالية الإصابة بالشلل الدماغي بسبب تكسُّر كرات الدم الحمراء المرتبط بحالة الصفار.
  8. الاضطرابات التي قد تحدث أثناء الولادة كـانفصال المشيمة، انفجار الرحم، مشاكل الحبل السري. كلها تزيد من احتمالية الإصابة بالمرض.

أنواع الشلل الدماغي

يصنف الأطباء الشلل الدماغي إلى أربعة أنواع رئيسية وذلك وفقاً لاضطرابات الحركة المصاحبة لكل منها، والمناطق التي قد تعرضت للتلف من الدماغ. وهم:

الشلل الدماغي التشنجي (Spastic)

في هذه الحالة تكون العضلات متشنجة بشكل كبير مما يظهر جلياً في صعوبة الحركة، وهو النوع الأكثر شيوعاً حيث يمثل حوالي 80% من الحالات.

ويمكن تقسيمه حسب أجزاء الجسم المصابة:

  • المزدوج (Diparesis): يظهر تصلب العضلات بشكلٍ واضح في الساقين دون الذراعين وتصاحبه صعوبة في المشي، يُسمى أيضًا بـ "المقص" وذلك بسبب مظهره المميز حيث تلتف الساقين إلى الداخل وتتقاطعا عند الركبتين.
  • النصفي (Hemiparesis): يتأثر فيه جانب واحد من الجسم (الذراع مع الساق من جهة واحدة)، ويظهر التشنج في الذراع بشكلٍ أكبر.
  • الرباعي (Quadriparesis): يشمل التلف الدماغي في هذه الحالة مناطق متعددة لذا فهو يمثل الشكل الأكثر خطورة للشلل الدماغي. تتصلب جميع عضلات الأطراف الأربعة، والجذع، والوجه مما يعني فقدان القدرة على المشي، وغالباً ما يكون مصحوباً بمشاكل أخرى في السمع والبصر والإدراك وغيرها.

الشلل الدماغي الرعاشي (Dyskinesia/Athetoid)

يظهر على شكل عدم القدرة على التحكم في أجزاء الجسم المختلفة، مما يعني صعوبة في المشي، الجلوس، الحديث، والبلع. مصحوباً بحركات لا إرادية تختلف من حيث السرعة وقد تكون عنيفة وغير منتظمة. يرجع ذلك إلى عدم انتظام الإشارات الكهربائية المتحكمة في العضلات فتتراوح بين الانبساط والانقباض.

الشلل الدماغي الترنحي (Ataxic)

يصاحب هذا النوع مشاكل في حفظ توازن الجسم، وتناسق حركات الجسم المختلفة ولذلك يظهر جلياً على هؤلاء المرضى عدم القدرة على القيام بالأعمال الدقيقة والتي تتطلب حركات مختلفة وسريعة ومتناغمة كالعزف، والكتابة.

الشلل الدماغي المختلط (Mixed)

بعض الحالات تشترك في أكثر من نوع ويعتبر أشهرهم: الشلل الدماغي التشنجي- الرعاشي (spastic-dyskinetic CP).

الأعراض

  • كما ذكرنا من قبل فإن أعراض المرض تختلف بشكل كبير من شخص لآخر وذلك وفقاً لشدة الإصابة او المنطقة المتأثرة من القشرة الدماغية.
  • جميع مرضى الشلل الدماغي يعانون من مشاكل في الوضعية والحركة مع اختلاف شدتها، مثل: مشي غير مستقر، حركات لا إرادية، تصلب في أجزاء الجسم المختلفة.
  • عدم وجود تناسق حركي بين عضلات العين فيؤدي ذلك إلى ضعف التركيز وصعوبة توازن الجسم.
  • على خلاف أنواع الشلل الأخرى، فالأمر هنا لا يقتصر على العضلات فقط; فقد تتأثر بعض الوظائف إذا تعرضت مراكزها في القشرة الدماغية للتلف وتظهر على هيئة مشاكل في السمع، البصر، البلع، الكلام، أو قد تؤدي إلى إعاقات ذهنية.

إن العلامات الأولية للمرض تظهر أثناء الطفولة أو قبل سن الدراسة وتتمثل بشكلٍ أساسي في تأخر مهارات الطفل الحركية كـ: الزحف، الجلوس، الوقوف، المشي.

العلامات الأولية

الطفل قبل عمر ال 6 أشهر

  1. عدم قدرة الطفل على التحكم برأسه عند رفعه خلال وضعية النوم على الظهر.
  2. تصلب أرجله وتقاطعها.
  3. عند حمله، يبتعد برقبته وظهره وكأنه يبتعد عن حامله.

طفل أكبر من 6 أشهر

  1. لا يتقلب الطفل على أي من الجانبين.
  2. لا يستطيع ضم يديه إلى بعضهما، ويواجه صعوبة في تقريب يده إلى فمه.
  3. يمد يداً واحدة بينما يُبقي الأخرى مضمومة. استخدام جانب واحد من الجسم أكثر من الجانب الآخر.

طفل أكبر من 10 شهور

  1. يُلاحظ بعض الاضطرابات أثناء زحف الطفل; نتيجة عدم تناسق كلا الجانبين حيث يدفع بإحدى يديه ورجليه بينما يجر اليد والقدم الأخرى فيتسم وضعه بالميل إلى جانب واحد وانعدام الاتزان.
  2. لا يستخدم كل أطرافه الأربعة أثناء الزحف، بل يميل إلى استخدام ركبتيه أو رُدفيه.

يجب على الأمهات إدراك أن بعض هذه الأعراض قد تظهر على طفل سليم، لذا يجب زيارة الطبيب لعمل الفحوصات اللازمة.

التشخيص

إن ملاحظة الأطفال في سنٍ مبكرة، وعرض الحالات المشتبه بإصابتها بالشلل الدماغي على الطبيب المختص أمرٌ مهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ومنع حدوث أي مضاعفات. مع الأخذ في الاعتبار أن معظم الأعراض لا تظهر بشكلٍ واضح إلا بعمر الثالثة او الرابعة

يمثل الفحص السريري الذي يقوم به الطبيب العامل الأهم والذي يبنى عليه التشخيص حتى وان كانت الفحوصات المخبرية والصور الإشعاعية وتخطيط الدماغ طبيعية.

لا يوجد توصيات واضحة ومحددة للفحوصات والصور التي يجب أن تتم عند تشخيص الشلل الدماغي وقد تختلف من حالة الى أخرى حسب التاريخ المرضي والفحص السريري، وعادةً ما تتم هذا الفحوصات والصور بهدف استثناء الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى نفس الأعراض.

قد يقوم الطبيب بإجراء بعض فحوصات الجينية والفحوصات التي تُظهر اضطرابات عمليات الأيض في الجسم.

قد تُظهر الصور الدماغية الإشعاعية وجود إصابات مرتبطة بشلل الرعاش أو الإصابات التي تزيد من احتمالية حدوثه، وهي مفيدة أيضا بتحديد التشوهات الخلقية، الأورام، النزيف واستسقاء الدماغ.

قد يرتبط شلل الرعاش بوجود اضطراب في كهرباء الدماغ وقد يكون المريض مصاباً بالصرع أيضاً لذلك تخطيط الدماغ قد يكون مفيداً في بعض الحالات.

العلاج

حتى الآن لا يوجد علاج نهائي لمرض الشلل الدماغي، ولكن بعض العلاجات قد تُحسن من حياة بعض المرضى، وذلك بالمحافظة على صحة وتوازن العضلات والعظام، بالإضافة الى الدعم النفسي. مع الأخذ بعين الاعتبار أن مريض الشلل الدماغي -مهما اختلفت شدته- يحتاج إلى رعاية صحية ومتابعة دورية مع المختصين مدى الحياة.

أنواع العلاجات المختلفة:

العلاج الدوائي

  • حقن العضلات (البوتوكس): تُكرر بشكل دوري وذلك لإحداث ارتخاء مؤقت في العضلات المنقبضة اكثر من اللازم للمساعدة في الحركة أثناء العلاج الطبيعي وتتفاوت الجرعة حسب حجم العضلة.
  • مرخي عضلات عام (الديازيبام- الدانترولين): تعمل هذه الأدوية على الجسم كاملاً ويصاحبها آثار جانبية مثل: الدوخة والغثيان وتلف الكبد ومشكلة الإدمان مع الديازيبام خاصة، لذا لا تستخدم إلا بإشراف الطبيب.
  • مضخة الباكلوفين: تزرع هذه المضخة جراحيًا في جدار البطن الأمامي وتتصل بقسطرة مزروعة في العمود الفقري، يعمل الباكلوفين على تقليل تشنج عضلات الطرفين السفليين والجذع، ولكن تأثيره قد يصل إلي الطرفين العلويين أيضًا. تعتبر هذه الآلية أكثر فعالية من تناول الباكلوفين عن طريق الفم.
  • أدوية أخرى: مضادات الاكتئاب، مضادات التشنجات، مضادات الدوبامين، وأدوية علاج (الشلل الرعاشي) الباركنسون.

العلاج الجراحي

بعض الحالات قد تتطلب عمليات جراحية لتصحيح وضع الأطراف والتي تعاني من تشوهات شديدة في العظام والمفاصل، أو إطالة بعض الأوتار التي أصابها التقلص بفعل التشنجات الدائمة، وفي بعض الحالات البالغة قد يضطر الأطباء إلى قطع الأعصاب التي تغذي العضلات المصابة بالتشنج.

  1. قطع الأعصاب الظهرية "selective dorsal rhizotomy": ويتم ذلك عن طريق قطع 70-90% من جذور الأعصاب الحسية الظهرية التي تقوم بإرسال إشارات عصبية خاطئة من وإلى العضلات متسببة في تشنجها. أظهرت الإحصائيات تحسن ملحوظ في حركة المفاصل خاصةً مفصلي الركبة والفخذ بعد إجراء هذه العملية للمصابين بالشلل الدماغي. يُفضل الجرَّاحون عدم اللجوء إلى هذا الإجراء الآن، خاصة بعد النتائج الإيجابية والمبشرة لمضخة الباكلوفين. من الآثار السلبية لهذا الإجراء: ضعف عام في العضلات، وفقدان القدرة على التحكم في بعض الوظائف كالتبول والوقوف والمشي والتي كانت تعتمد بشكل جزئي على تشنج العضلات.
  2. جراحة العظام: تطويل بعض الأوتار، وتصحيح وضع العظام، والتخلص من التشوهات العظمية الناتجة عن تشنج العضلات لفترات طويلة، قد يساعد بشكل كبير في تحسين حركة المفاصل والعضلات لمرضى الشلل الدماغي.

العلاج الطبيعي

يقدم المختصون نصائح هامة في التعامل مع الأطفال المصابين في السنين الأولى من العمر من حيث الطريقة الصحيحة لحمل الطفل والتحكم في حركة رأسه وجذعه، كما تساعد التمارين في تعزيز قوة الطفل وتقوية عضلاته مما يساعد في عملية التوازن والحركة.

العلاجات التقويمية المساندة

  • العلاج الوظيفي: يساعد العلاج الوظيفي على تعزيز اعتماد الطفل على نفسه، وقد يتم من خلال هذا العلاج استخدام بعض الأجهزة المساعدة كالكراسي المتحركة أو العكازات.
  • علاج النطق واللغة: يساعد هذا العلاج على تحسين قدرة الطفل على التحدث بوضوح، وأيضًا يساعد على تعليم الطفل التواصل عن طريق لغة الإشارة، وتجدر الإشارة إلى أنّ علاج النطق واللغة يمكن أن يساعد على علاج أعراض الشلل الدماغي كصعوبة الأكل وصعوبة البلع.

المضاعفات

كما ذكرنا من قبل فإن المرض لا يزداد سوءًا، ولكن قد تظهر بعض الأعراض التي لم تكن موجودة من قبل نتيجة للإهمال وسوء الرعاية:

  1. إنحناء وتشوه العظام: نتيجة لتشنج العضلات الشديد والذي يعيق النمو الطبيعي للعظام.
  2. التهاب المفاصل: نتيجة للضغط الواقع عليها من وضع العضلات الغير الطبيعي.
  3. الأمراض النفسية: نتيجة لفقدان القدرة على التواصل والعزلة، بالإضافة إلى تأثير المرض المباشر على الصحة العقلية.
  4. سوء التغذية وكسور وهشاشة العظام.
  5. الإصابة بأمراض القلب والضغط والرئتين: بسبب قلة الحركة.
  6. الشيخوخة المبكرة.

الوقاية

  1. تأكد الأم من حصولها على اللقاحات اللازمة أثناء فترة الحمل.
  2. الانتباه إلى صحة الطفل أثناء الأشهر الأولى وعدم التردد في زيارة الطبيب عند إصابته بعدوى.
  3. تجنب المشروبات الكحولية والسجائر.
  4. الحصول على الرعاية المستمرة أثناء الحمل، وخاصةً في حالة الحمل بأكثر من طفل عن طريق التلقيح المجهري.
المصادر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

crossmenu